أزمة مياه حادة تعصف بمدن «الضفة»
وحتى اللحظة، يسيطر الاحتلال ومستوطنوه على 21 مصدراً رئيساً للمياه في الضفة المحتلة، التي تغذي الآلاف من تلك العيون والينابيع، كما تسيطر إسرائيل أيضاً على أحواض المياه الجوفية الثلاثة في الضفة، التي توفر أكثر من 650 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، بينما يتيح للفلسطينيين الاستفادة من 20% من إجمالي هذه الكميات.
وبفعل هذه السيطرة، يجبر أهالي الضفة المحتلة على شراء المياه من الشركات الإسرائيلية، وأبرزها «مكوروت»، لاستخدامها في الشرب، وري الدونمات الزراعية، وسقاية الماشية، وكذلك الاستخدامات المنزلية المتعددة. وجرّاء ذلك، تتفاقم معاناة المواطنين الفلسطينيين داخل العديد من مناطق الضفة المحتلة، التي تشهد انقطاعات للمياه تستمر لأيام خلال فصل الصيف، ما يجبر سكان تلك المناطق على شراء الماء بصهاريج عالية الكلفة.
ربع مساحة الضفة
انطلاقاً من منطقة عين البيضاء بمدينة بيسان المُهجرة حتى مدينة صفد المحتلة شمال فلسطين، مروراً بمنطقة عين جدي قرب البحر الميت داخل مدينة أريحا، حتى صحراء النقب جنوب الأراضي المحتلة، وامتداداً لمنطقة نهر الأردن الوسطى، وصولاً إلى السفوح الشرقية للضفة الغربية، تقع مناطق الأغوار الفلسطينية الشمالية والوسطى والجنوبية، بمساحة يبلغ قدرها 720 ألف دونم، التي تشكل أكثر من ربع مساحة الضفة الإجمالية.
هذه المساحات الشاسعة لا ينعم سكان الضفة المحتلة بها كاملة، فالاحتلال الإسرائيلي يسيطر على 80% منها، لمصلحة إقامة المستوطنات ومعسكرات الجيش، فيما تتحكم شركة المياه الإسرائيلية (مكوروت) بما يقارب 85% من مياه الأغوار، التي تُعدّ ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في الضفة، وذلك بحسب مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس شمال الضفة المحتلة، معتز بشارات.
ويقول بشارات في حديثه مع «الإمارات اليوم»: «إن بقية مصادر مياه الأغوار، ونسبتها 15%، لا يستفيد السكان منها بالكامل، حيث يواجهون منغصات من قبل (مكوروت)، التي تتحكم في كل مصادر المياه، فيما تبيعها للفلسطينيين بمبالغ باهظة، إلى جانب استفادة المستوطنين منها مباشرة، والذين يستهلكون ثمانية أضعاف ما يستهلكه سكان الأغوار من المياه».
ويلفت بشارات إلى أنه خلال الفترة الماضية، عمدت شركة المياه الإسرائيلية «مكوروت» نقل خطوط المياه التي تمر بالقرب من قرية بردلة بالأغوار، التي تستخدم للحصول على تحويلات لنقل المياه إلى سكان القرية، ومن ثم أبعدتها «مكوروت» عن أماكن وجود الفلسطينيين ما يقارب 500 متر، لتصبح خطوط المياه تلك أكثر قرباً من استخدام المستوطنات الجاثمة فوق أراضي الأغوار.
وفي مايو الماضي، أغلقت قوات الاحتلال فتحات عيون المياه التي تغذي المواطنين في قرية بردلة، ما يفاقم من معاناة الأهالي، لعدم حصولهم على كميات كافية من المياه، في ظل السيطرة الإسرائيلية على معظم موارد المياه في الأغوار عبر شركة «مكوروت»، وعدم تزويد الفلسطينيين بكميات كافية من المياه.
إغلاق الآبار بالباطون
بالانتقال إلى مدينة الخليل جنوب الضفة، التي تُعدّ كبرى مدنها، يتعرض السكان إلى إجراءات إسرائيلية صارمة، تحد من حفر الآبار لتجميع المياه، تضاف إلى أزمة شح وصولها إلى المناطق الفلسطينية، والتي تعصف بكل مدن الضفة.
وشهدت قرية الهجرة بالمنطقة الجنوبية لتلال الخليل يوم 23 يوليو الماضي، اقتحام طواقم الإدارة المدنية الإسرائيلية، وقوات من جيش الاحتلال وعناصر حرس الحدود، رفقة جرافات وخلاطة باطون، لتغلق أربع آبار، تعود ملكيتها للمزارع الفلسطيني شحدة دودين، بعد سكب الباطون داخل أعماقها، فينتج عن ذلك أيضاً إغلاق عيون وينابيع مياه عذبة كانت تغذي تلك الآبار. وإلى جانب ذلك، دمرت جرافات الاحتلال خطوط مياه كانت تستخدم لري المزروعات داخل أرض يملكها المزارع دودين، لينتج عن ذلك تجريف المحاصيل الزراعية الصيفية بشتى أنواعها.
ضائقة حادة
يفيد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسليم) بأن 36% من سكان الضفة يحصلون على المياه يومياً طوال أشهر السنة، ونحو 70 تجمعاً فلسطينياً في أنحاء الضفة، يقطنها أكثر من 100 ألف فلسطيني، غير موصولة مطلقا بشبكات المياه.
ويقول «بتسيلم» على موقعه الإلكتروني: «إن هذه المعطيات تدل على ضائقة مياه حادة لدى الفلسطينيين سكان الضفة، وهذه الضائقة ليست قضاءً مقدراً أو ظاهرة طبيعية، كما أنها ليست جزءاً من أزمة مياه إقليمية لا يمكن منعها، بل هي نتاج لسياسة إسرائيلية تمييزية، عن وعي ومعرفة، تخلق لدى الفلسطينيين في الضفة أزمة مياه دائمة، مصطنعة ومقصودة». وفي 21 أغسطس الجاري، نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية تقريراً حول واقع المياه في الضفة الغربية، اعترفت فيه بوجود أزمة مياه حقيقية في قرى ومدن الضفة، تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، فيما ينعم الإسرائيليون في المستوطنات المقامة على أراضيهم بخيرات الآبار التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال.
وتقول «هآرتس»: «إن مشكلات المياه عصفت بأنحاء الضفة الغربية منذ بداية هذا الصيف، خصوصاً أن إسرائيل تسيطر على 80% من احتياطات المياه فيها».
وتسترسل الصحيفة العبرية: «يوجد 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، يرتبطون بشبكة المياه الإسرائيلية، من خلال شبكة متطورة توفر المياه بشكل مستمر، لكن المدن الفلسطينية بعيدة عن ذلك، وتبدو المستوطنات المجاورة وكأنها واحة، والأطفال بداخلها يسبحون في حمامات السباحة العامة».