مقالات

هادي جلو مرعي يكتب: مخترع الزرف التاسع في الجفجير

مقال نقدي عن الظواهر الاجتماعية العراقية

بقلم: هادي جلو مرعي

تعد “الجفجير” واحدة من الكلمات التي، رغم أصولها غير العربية، تستخدم على نطاق واسع في العراق، ولها أصول يُعتقد أنها كردية أو تركية. الجفجير هي مغرفة كبيرة تحتوي على ثقوب عدة، تُستخدم لتصفية الماء عند تحضير الرز في القدر. تأتي الكلمة لتعبّر عن سلوكيات وتصرفات متجذرة في الثقافة العراقية المعاصرة.

على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك” في العراق، تظهر صور ومقاطع فيديو لشخصيات تتباهى بمظاهر الترف والوجاهة الاجتماعية، سواء كان ذلك من خلال السيارات الفاخرة أو المنازل المؤجرة بمبالغ باهظة. يحاول هؤلاء الأشخاص جذب انتباه المحيطين بهم عبر استعراضات تعكس قوة المال أو الجاه، مما يجعلهم في أعين أتباعهم وكأنهم أبطال وزعماء في مجتمع يقدر المظاهر أكثر من الجوهر.

في هذا السياق، تظهر ظاهرة “صناع التفاهة”، وهم الأفراد الذين يمتلكون الأموال والمناصب دون تقديم أي إسهام حقيقي أو ذي قيمة للمجتمع. هؤلاء الأشخاص لا يبدعون في أي شيء مفيد، بل يعيشون حياتهم بطريقة مادية بحتة، معتمدين على مظاهر الثراء والوجاهة.

هذه الظواهر تشير إلى مدى تأثير المال والسلطة في تشكيل القيم الاجتماعية، حيث يُعتبر القوي والمقتدر مادياً هو القدوة والمثال الأعلى، بينما يُهمَّش من يمتلك المعرفة والعقل والقدرة على التفكير النقدي.

وتأتي العبارة الساخرة “مخترع الزرف التاسع في الجفجير”، التي يستخدمها الكاتب فالح البزاز، لتصف هؤلاء الأشخاص الذين يبتكرون طرقًا جديدة في التفاهة والظهور دون أن يكون لهم قيمة حقيقية تُذكر. إنهم يعيشون في وهم العظمة، بينما في الحقيقة، هم فارغون لا يملكون من الحقيقة شيئاً، ولا يفهمون إلا لغة التفاخر والاستعراض.

هذا النقد الاجتماعي اللاذع يعكس واقعاً مراً يعيشه المجتمع العراقي، حيث تغلب المظاهر الفارغة على الجوهر، وحيث يُكرَّم التفاهة ويُحتفى بها بينما تُهمَّش العقول اللامعة والكفاءات الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى