مقالات

سوريا الحبيبة متى تعود

نورا المرشدي
زرت سوريا قبل أحداث 2011 فكانت شوارعها تكتظ بالمارة والسواح الأجانب، وهي بالفعل دولة جميلة تمتاز بالجاذبية الخضراء، والعاصمة دمشق تحديدا واحدة من أقدم المناطق المأهولة ، وفيها أكتشفت آثار يرجع تاريخها إلى أول الوجودات البشرية في العالم، ويعد كهف الديدرية القريب من حلب أحد الاكتشافات التي تشير إلى سكن “الإنسان البدائي” (إنسان النياندرتال) للمنطقة.وكذلك تمتاز دمشق بالأراضي الزراعية والواحات الخضراء والغابات المحاطة بالمياه وأسوارها وأماكنها المتميزة وسوق الحميدية والمنتجات المصنعة فيها وهي ذات جودة عالية بالفعل وتحظى بثقة المستهلكين المحليين والأجانب. وتشتهر المطاعم والبيوتات هناك بأطعمة لذيذة، ومنها الهريسية والكبة المشوية بطريقة خاصة بالسكان المحليين وكذلك تعرف مدن بجودة التحف الفنية خاصة في شارع المستقيم، وقد زرت مطعم قاسيون على الجبل المطل على العاصمة الذي يتمتع بأشهى الأطباق وفيه تنتشر المقاهي والمطاعم والإستراحات التي تتوزع على الجبال الخضراء، وهناك تحدث الى أهلها الطيبين ورأيت كرمهم ومساعدتهم لمن يحتاج إليهم..
فجأة، وبعد كل هذا الجمال والإشراق تتحول سوريا الى مسرح للقتال والحروب والتجنيد الإلزامي، وحصار أمريكي دام لسنوات، وموجات هجرة قاسية متعددة الأشكال عادت بالويلات على سوريا الجميلة بالمعاناة التي لم تكن بالحسبان ولم يتوقعها أحد، بل لم يكن يتمناها لهذا الشعب المضياف والمتنوع والمتسامح الذي يشرق بالإبتسامة.
الشباب السوري تعرض للضغط الشديد، وإنصاع لهجرة قاسية فرضت عليه ليخرج من بلده بعيدا عن صخب الحروب والدمار من أجل البحث عن النجاة، والعيش بأمان بعيدا عن طغيان الصراعات الدامية التي كانت السبب الرئيسي في الهجرة الإجبارية، فوجدنا في كل دولة مواطنين سوريين مهجرين منكوبين مرهقي الحال، ينقصهم الإستقرار والمال يبحثون عن العمل، او مكان يحميهم ويخضعون لقوانين الدول أولها دوائر الهجرة، ويخضعون للترحيل الممنهج، فبعض الدول ومنها الحكومة اللبنانية أطلقت عليهم صفة “النازحين” لتتهرّب من التزاماتها تجاههم.

معانات السوريين المهجرين من بلدهم أصبحت بنحو كبير جدا خلال السنوات الأخيرة بعد أن تحولت البلاد الى مسرح للصراعات والنزاعات بين القوى الإقليمية والدولية وساحة لتصفية الحسابات، وسيطرة الجماعات المسلحة التي فرضت نفوذها في المنطقة وكانت انعكاساتها السلبية حادة، وتغولت بعض الدول الغربية وربيبتعا اسرائيل التي ترى في هذه التحوّلات فرصة لتوسيع نفوذها في سوريا، مستفيدة من الدعم الأمريكي تحت إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب، الأمر الذي يضمن لها شرعية أكبر في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بسيطرتها على الجولان وحل الجيش السوري وقد شهدت عقبات كثيرة وتحولات صادمة، لكنها ترى بريق أمل لينهضها من جديد، مع الخشية من استمرار النفوذ الغربي والتسلل التركي فهي تنتظر من ينقذها ويعيد لها عافيتها لتشرق من جديد بعيدا عن مسارح القتال والدمار والتصعيد السياسي وصراع القوى السياسية المنفلتة، وأطراف عدة تحاول السيطرة على عليها فهي تنهض لكي تعود لتشرق بجمالها وليعود محبوها لأحضان وطنهم بعيدا عن التدخل الخارجي الذي أذاقها الويلات والنكبات ولأنها تحفل بالتنوع العقائدي والثقافي فلابد من الإستماع لكل الأصوات فيها وعدم تجاهل رغبة كل مكون ليمارس وجوده وفقا لقانون ودستور يحترم التنوع ويؤكد عليه ليعيش الجميع بسلام..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى