مسعد أبو طالب يكتب: المخدرات الرقمية… جرائم بلا قانون وتأثيرات بلا حدود

بقلم: مسعد أبو طالب الخبير القانوني
أصبحت شبكة الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياة أي شخص يمتلك هاتفًا أو جهازًا لوحيًا، بهدف الوصول إلى العلوم والمعرفة والتواصل بين الأشخاص. وهذا هو الهدف الأسمى من وراء هذه التكنولوجيا التي تتسارع وتتبارى فيها الدول والكيانات الاقتصادية من أجل إحراز تفوق على غيرها من المنافسين. وبغض النظر عن نوعية المستخدمين، سواء أكانوا صغارًا أو كبارًا، فإن لهذه التكنولوجيا وجهًا آخر، وهو الوجه القبيح للإنترنت.
وتتعدد أوجه الجرائم التي تُرتكب عبر الإنترنت، مثل جرائم الاحتيال المالي، وجرائم الابتزاز الإلكتروني بكل صورها، وجرائم الإرهاب، وغيرها من الجرائم. ولعل المتتبع للتطور الهائل الذي أحدثته هذه التكنولوجيا الحديثة في خلق صور جديدة من الجرائم، لا يجدها في الجرائم التقليدية. وقد يظن القارئ أن المقصود بـ”المخدرات الرقمية” هو استخدام الإنترنت في الترويج للمخدرات، لكن الحقيقة أن هناك نوعًا من المخدرات يتم بثه عبر الإنترنت، وهو عبارة عن ملفات صوتية وموجات تُبث بهدف السيطرة على المخ، ليشعر المتعاطي بتأثير مشابه كثيرًا لتأثير المخدرات الحقيقية.
كما تؤدي هذه الملفات إلى إحداث الهلوسة وتغيير وتعديل الحالات العاطفية والمزاجية للمستمع. ويقوم مبتكرو هذه الملفات باستخدام الموسيقى بطرق تتنافى مع الاستخدام الطبيعي لها، بغرض إدخال المتعاطي في حالة من اللاشعور واللاوعي، لينتقل إلى عالم الهلوسة والإحساس بالنشوة والشرود الذهني.
ومن وجهة نظر قانونية، فإن أغلب متعاطي المخدرات الرقمية غالبًا ما يرتكبون جرائم أخرى منفصلة عن جريمتهم الأساسية. فعلى سبيل المثال، إذا قاد متعاطي المخدرات الرقمية سيارة وهو في حالة شرود ذهني، فستكون النتائج مؤلمة أو مشابهة لما لو كان متعاطيًا للمخدرات التقليدية.
وعلى العكس، قد يُفيد العلاج الطبي في حالات تعاطي المخدرات الحقيقية عن طريق إخضاع المتعاطي لبروتوكولات العلاج المعروفة، إلا أن معالجة تعاطي المخدرات الرقمية أمر أكثر صعوبة، إذ يستلزم الأمر علاج المتعاطي نفسيًا. وبعيدًا عما قد يراه البعض من استخدام الطبيب النفسي للموسيقى التي تبعث على الهدوء والاسترخاء أثناء جلسة العلاج، فإن الطبيب هنا سيجد نفسه في حيرة؛ لأنه سيضطر إلى علاج المتعاطي من بعض أنواع الموسيقى التي تسبب له الحالة المزاجية المنبوذة.
وبعيدًا عن الإحصائيات غير الرسمية التي تشير إلى وجود الكثير من المواقع المملوكة لشركات تابعة لعائلات المافيا، فإن الظاهرة موجودة ومنتشرة بكثافة لدى فئات عمرية معينة (من سن المراهقة حتى سن الأربعين). ومع ذلك، وأمام هذا الخطر المحدق الذي بدأ يتسلل رويدًا رويدًا داخل المجتمعات، تقف التشريعات الجنائية عاجزة عن تجريم هذا النوع من المخدرات. إذ تختلف هذه الجريمة عن الجرائم المالية المرتكبة عبر الإنترنت، ففي الأخيرة يكون أثر الضرر واضحًا، بينما تكمن الصعوبة هنا في إثبات الأثر النفسي الذي تخلفه جريمة تعاطي المخدرات الرقمية، وهو ما يشكل عائقًا أمام التجريم.
وهو ما يدفعني للتساؤل: لماذا لا يقوم المتخصصون من الأطباء النفسيين، وبالاستعانة بالمبرمجين، بالعمل على تصنيف الموسيقى التي تؤثر سلبًا على وعي الأفراد في المجتمع، وتنقلهم من مرحلة الوعي إلى مرحلة اللاوعي؟!
كما يطرح التساؤل ذاته نفسه أمام مراقبي الخدمات الرقمية والجهات المختصة بإصدار تصاريح بث المحتوى الرقمي.
ومن وجهة نظري، فإن الأمر يحتاج أيضًا إلى تفعيل دور الأسرة والمدرسة في مكافحة هذه الظاهرة، واستخدام وسائل الرقابة والتوعية للأطفال والشباب في المراحل العمرية الحرجة، ومراقبة المحتوى الذي يستمعون إليه، حتى لا تنزلق أقدامهم إلى طرق مظلمة تكون نهايتها مأساوية.