كلام الله يعلو فوق كل كلام.. رؤية جديدة للشرفاء الحمادي
الكاتب باحث ومفكر، مهتم بالشأن العام العربي والإسلامي وله العديد من المؤلفات والأبحاث المرموقة
المخلص
يبدأ المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي مقال اليوم بالحديث عن احتجاج شيوخ الدين بالمحدثين وناقلي الروايات، تاركين ما نطق به رسول الله عليه السلام وما بلغهم به من الآيات فيما يتعلق برفع أعمال الناس إلى الله في شهر شعبان، واصفًا هذا الفعل بالمضحك والمبكي.
ويؤكد (الشرفاء) أن هذا الأمر يعد تناقضًا خطيرًا، فهم قد شهدوا أن محمدًا رسول الله، ولم يعترفوا برسول غيره، ومع ذلك يلجؤون إلى قول البشر ليكون حجة على كلام الله سبحانه الذي يعلو فوق كل كلام، وما نطق به رسول الله الأمين عن ربه يبلغ الناس بقول الله سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ).. تابع التفاصيل في السياق التالي.
التفاصيل
تناقض خطير
إنه من المضحك والمبكي أن يحتج شيوخ الدين بالمحدثين وناقلي الروايات ويتركون ما نطق به رسول الله عليه السلام وما بلغهم به من الآيات فيما يتعلق برفع أعمال الناس إلى الله في شعبان، رغم أنهم شهدوا أن محمدًا رسول الله ولم يعترفوا برسول غيره، فكيف يحدث ذلك التناقض الخطير ويلجؤون إلى قول البشر ليكون حجة على كلام الله سبحانه الذي يعلو فوق كل كلام، وما نطق به رسول الله الأمين عن ربه يبلغ الناس بقول الله سبحانه:
“وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ” (ق 16).
فأسأل العقول وأذكرهم بقول الله سبحانه: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌۭ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ” (الحديد 16).
فالله سبحانه يخاطب المؤمنين ألم يحن الوقت لعقولهم أن ترجع إلى الله وما أنزله على رسوله الأمين من آيات الذكر الحكيم ليحكِّموها فيما شجر بينهم، وتكون آيات الله هي الحاكمة في كل خلاف يتعلق بالإسلام وتشريعات القرآن والمنهاج الإلهي الذي يضيء للناس الطريق المستقيم فلا يضلوا ويتبعون باطل الشيطان الذي يشعل الفتن والخلاف بين المسلمين ليتطور إلى صراع وقتال وسفك لدماء الأبرياء.. والمسلمون ما زالوا يعتقدون في روايات نالت من آيات الذكر الحكيم وجعلتهم في الظلمات تائهين، وفي يوم الحساب يسألهم ربهم بقوله سبحانه: “أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًۭا ضَآلِّينَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ قَالَ ٱخْسَـُٔوا۟ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ” (المؤمنون {105 – 108).
هكذا سيقف المكذبون بالآيات والذين اتبعوا الروايات وآمنوا بكلام الناس واحتجوا بها فوق كلام الله فصدوا عن سبيله وأغواهم الشيطان واستدرجهم إلى يومٍ يحل عليهم غضب الله فيلقيهم في نار السعير وهكذا خسروا الدنيا والآخرة ولن يجدوا لهم يوم الحساب عند الله نصيرًا.
لذلك فإنني أتساءل: أين غابت العقول؟ وكيف استدرجت النفوس إلى الظلمات؟ وأين اختفى الفهم والإدراك؟ فاختلط الغث بالسمين وتخلخلت الموازين، حتى مفردات اللغة العربية شابها الغموض واختلط النهار بالظلام حتى أصبح الإنسان لم يعد يفرق بين الحق والباطل حينما يأمر الله الناس بقوله سبحانه أمرًا صريحًا وواضحًا لا لبس فيه ولا غموض ولا يحتمل غير تفسير واحد كما قال سبحانه: “ٱتَّبِعُوا۟ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ” (الأعراف 3).
مراد الله من العباد
ما مراد الله من هذا الأمر للناس غير أنه يأمرهم باتباع كتابه المبين الذي أنزله على رسوله الأمين وكلفه بتبليغ الناس مقاصد آياته وحكمة مراده لما ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
كلام الله والروايات البشرية
كيف لم يدرك العارفون بمفردات الكلمات العربية ودلالاتها التي تشع نورًا وسرورًا فإن كانوا يؤمنون بالله فمن المفروض أن يطيعوا أوامره، وإن كانوا يعبدون إلهًا آخر فلن يطيعوا الله وسيفضِّلون على آيات الله روايات بشرية قصر إدراكها عن فهم حكمة الله في مقاصد آياته فهجروا القرآن وابتعدوا كثيرًا عن شرعة الله ومنهاجه التي تحصن الإنسان في حياته من المعاصي والذنوب وتحميه من الانسياق خلف الشيطان حين يستدرج الإنسان للعدوان مما سيترتب على ما قام به الإنسان من عدوان سواء بالسرقة أم الضرب أم غير ذلك من الوسائل المختلفة سيواجه عقوبة القانون، وقد يتم الحكم عليه بالسجن مدة طويلة حسب الجناية التي ارتكبها، بينما الله في شرعته ومنهاجه إذا اتبعها الإنسان تحميه من الضرر الذي ترتب على إهماله بعدم التمسك بآيات الله وذلك مثال بسيط، فالله سبحانه حينما أنزل كتابه على الرسول الأمين كانت حكمته أن يحقق للإنسان حياة طيبة في ظل الأمان والطمأنينة، وأن الآية المذكورة أعلاه تعتبر القول الفصل، إن كنا مسلمين، بالابتعاد كليًّا عن كل رواية وكل ما يطلق عليه حديثًا زورًا وبهتانًا من قبل الرواة الكاذبين الذين يسعون في الأرض فسادًا لتنتشر الفتن بين المسلمين ويقتلون بعضهم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا وهم في نزاع وصراع وسفك لدماء الأبرياء.
أفيقوا يا مسلمون
فمتى يفيق المسلمون من غفوتهم ويرجعون إلى ما ينفعهم ويرحمهم؟ فالذي يحرص على أمنهم وسعادتهم هو الله الذي رسم لهم في الذكر الحكيم طريق الخير والسلام والحياة الطيبة؟ أليس ذلك الموقف الذي يبين جحود المسلمين لربهم ونكرانهم أوامره ونصائحه ورعايته لخلقه يكرر النصيحة ويحذرهم من طريق الباطل ويعرفهم مسارات الخير والسبل التي تحميهم من النفوس الأمارة بالسوء وأتباع الشيطان؟ وكم حذر الله الإنسان من الشيطان في كثير من الآيات وبين له أهدافه لكي يأخذ الحذر، ولكن الشيطان استطاع بواسطة النفوس الضعيفة أن يخترق الحواجز ويسوغ للنفوس طرق الشر، وما أكثر ضحايا الشيطان في السجون الذين ينتظرون أحكام الإعدام والهاربين من القضاء الذين يعيشون في بؤس وشقاء.
ضنك الحياة وغياب الطمأنينة
ألم يتخذ الإنسان تلك القضايا عبرة وما واجهه من حياة الضنك وعدم الطمأنينة ويرجع إلى الله الغفور الرحيم الودود اللطيف جل وعلا الذي يمنح عبده، إن سار على نهجه، السكينة والطمأنينة والنعمة ليحيا حياة طيبة ولكن الإنسان جحود كفور بنعمة الله وفضله.
نسوا الله فأنساهم أنفسهم
فكم من الأغنياء نسوا الله فأنساهم أنفسهم وأخذ ما لديهم من ثروات وقصور حين لم يراعوا شرعة الله ومنهاجه في حياتهم واتباعها سلوكًا ومعاملة بين كل الناس وترجمة كل ما أمر الله به الناس من الأخلاق السامية وقيم الفضيلة من رحمة وعدل ونشر السلام والتعامل بالإحسان بين الناس كما أمر الله رسوله الكريم في قوله سبحانه؛ “ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ” (النحل 125).
ثم يوجّه الله سبحانه رسوله بقوله “وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ” (يونس 99).
وخطاب الله لرسوله بقوله سبحانه “وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف 29).
بالرغم من الآيات السابقة التي منح الله بها الإنسان في كل مكان وزمان حرية الاعتقاد وحرية اختيار الدين الذي يتفق مع قناعاته وإيمانه، إضافة إلى توضيح الله لرسوله أن اعتناق دين الإسلام اختيارا وطوعًا دون إكراه أو فرض اعتناق الإسلام بالقوة كما قال سبحانه “لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 256).
تجرّأ العابثون على شرع الله
فكيف تجرّأ العابثون بالتحايل على شرعة الله للناس في منحهم حرية مطلقة في اعتناق الإسلام ديناً واستعد الإنسان ليتخذ آيات القرآن شرعة ومنهاجًا ليصادق على عقد بينه وبين الله في الالتزام الكامل بتطبيق شرعته واتباع منهاجه في حياته وأن لديه العزيمة في مواجهة النفس الأمارة بالسوء لترويضها في اتباع آيات الذكر الحكيم وما يحققه ذلك للإنسان من تحصين عن المعاصي والذنوب ويجعل للإنسان حياة طيبة في الدنيا، وفي الاخرة وعده الله بجنات النعيم، فمتى يتحقق ذلك الوعد الإلهي حينما ينتصر لله في نفسه ويترجم كل خطوة في حياته و سلوكه وعلاقاته من الناس جميعًا مترجمًا شرعة الله ومنهاجه قولًا وعملًا يمارسه في كل لحظة من حياته، فمعنى أن ينتصر الإنسان لله فإنه خالف الشيطان والهوى وتحكم في شهوات النفس وسيطر على إغواء الشيطان ولم يتبع ما يوسوس له من القيام بأعمال تتناقض مع التشريع الإلهي ومنهاجه.
الانتصار لكلام الله
فالخلاصة إما أن ينتصر الإنسان لكلام الله ويؤمن بآياته ويتمسك بكتابه الذي أنزله الله على رسوله الأمين فيكون من السعداء في الدنيا ويكون من الآمنين يوم الحساب، وإما يكفر بآيات الله ويهجر قرآنه ويتبع الشيطان ويصدق الروايات المفتراة على الله ورسوله فيعيش حياته في فتن وضنك وشقاء، وفي يوم الحساب لن ينفعه كل الذين نسبوا إلى الرسول أقوال زور وأكاذيب وبهتان وأطلقوا عليها أحاديث، بالرغم من أن الرسول عليه السلام بلغهم عن ربه في القرآن الكريم: “ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ” (الزمر 23).
وقول الله الذي نطق به عن ربه رسوله الأمين فقال “ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثًۭا” (النساء 87).
وقول الله سبحانه الذي بلغهم به رسول الله “وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًۭا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّۭا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلًۭا” (النساء 122).
بالرغم من أن الرسول عليه السلام نطق بلسانه عن ربه في الآيات المذكورة أعلاه فكيف صدق الناس روايات مزورة على الرسول وهو مكلف فقط بتبليغ آيات الذكر الحكيم للناس دون زيادة أو نقصان ونتيجة لافتراء المجرمين على الله ورسوله بالكذب والله سبحانه سيحكم عليهم بأن يلقى كل من ألف رواية كذبًا ومن صدق تلك الروايات وآمن بها واستبدل آيات الله في الكتاب المبين بأقوال المزورين والكاذبين في نار الجحيم فقد خسر الدنيا والآخرة ولن ينفعه كل المفترين على الله ورسوله، فاحذروا يا أولي الألباب، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.